-->

لا تحتاج أن تكون خلف القضبان حتى تسمى سجينا

لا تحتاج أن تكون خلف القضبان حتى تسمى سجينا
    لا تحتاج أن تكون خلف القضبان حتى تسمى سجينا 
    هذا ما اخبرتني به عيني تلك الفتاة التي مرت جانبي هذا الصباح ، صباح يوم يقال أنه عيد الإستقلال...
    تحمل في يدها كيس بلاستيكي يحمل غالبا وجبة غذائها لأن هذا اليوم وكباقي الأيام ستقضيه منهمكة في خياطة آلاف النسخ من الملابس بمعمل سري في مرآب مجمع سكني، ستقضيه وتقضي معه باقي أيام عمرها، وهي لا تعلم عن الحياة ولا من الحياة شيئا، غير بعض المسلسلات المدبلجة ومجموعة من أغاني السرحاني وسعد المجرد ، تردد كلمات كسايس سايس .... طيلة اليوم كمخدر قوي ينسيها ألم الفقر وقلة ذات اليد ، وأجرها الزهيد جدا ، الذي يشعرها كل مرة بأنها مقيدة وخلف القضبان فعلا ، حين تقف أمام محل لبيع ملابس تفوق أجرها الاسبوعي عشرات المرات .
    لكن صدقوني أنها لا تشعر بكل هذا، ولا يستحضره بالها فالتفكير كما اخبرتني إحدى صديقاتي رفاهية ، لا تتأتى إلا بعد أن يتحقق الاكتفاء المادي ، فمادام البطن فارغا فلن يستيقظ الفكر أبدا ، ولن يغني الرأس أبدا كما يقول المثل العامي .
    إن تكديس الأموال في أيدي البعض دون غيرهم وجعل الاغلبية تعاني من الحرمان ليس لمجرد جمع المال فحسب لأنه في درجة من الدرجات ستفقد الأموال قيمتها حين لم يتبقى هناك شيء يصعب شراءه أو امتلاكه بل إنه منهجية دقيقة يستعملها الجبناء لأطالة مدة حكمهم تماما كتفريغهم لمحتويات المناهج الدراسية وتقيد فكر الطلاب بأشياء محدودة تضحك من سخافتها .
    إن هذا الحرمان هو من يمكنهم من شراء الدمم وهو من يخضع الآخرين لبيع دممهم ، هو من يقتل الشرفاء ويجعلها ساحة للصراع بين الخونة والانتهازيين الذين يعيشون على فتات من فوقهم .
    إنه سجن كبير من دون قضبان يقضي فيه البعض سجنا مع الاعمال الشاقة ، أو بمعزل في قرية نائية تحت رحمة القافلات التي تزورهم نادرا لتخفف وطأة ما أحدثه البرد والثلوج . 
    هذا لتعلم كم عدد السجناء في هذا الوطن ... ومن حسن حظهم أنهم لا يعلمون .
    Unknown
    @Publié par
    writer and blogger, founder of كل يوم معلومة مفيدة .

    Enregistrer un commentaire